الكبريت عنصرٌ لا معدنيّ (لا فلزّيّ)، يحتلُّ المرتبة العاشرة من حيث الوجود بوفرةٍ في الكون، وفقًا لـ (مُختبر جيفرسون الوطني للتسارع الخطي -Jefferson National Linear Accelerator (Laboratory.
اليوم، أكثر استخدامه الشائع هو في صناعة حمض الكبريت، والذي بدوره يدخل في الأسمدة (المُخَصِّبات)، والبطاريات، والمنظفات، يُستخدم أيضًا في تكرير النفط ومعالجة الخامات المعدنية.
ليس للكبريت النقي رائحة، إذ تنجم رائحته الكريهة عن العديد من مكوّناته، وفقًا لموقع (كيمي كول – (Chemicool.
على سبيل المثال، تُعطي مركبات الكبريت التي تُدعى (الميركابتان – (mercaptan حيوان الظربان الرائحة التي يُدافع بها عن نفسه، البيض المعفن (الفاسد)، والقنابل ذات الرائحة الكريهة، تحصل جميعها على هذه الرائحة بسبب كبريتيد الهيدروجين.
بعض الحقائق
وفقًا لمُختبر جيفرسون، خصائص الكبريت هي:
• العدد الذري (عدد البروتونات في النواة): 16
• الرمز الذري (في الجدول الدوري للعناصر): S
• الوزن الذري (الكتلة المتوسطة للذرة): 32.065
• الكثافة: 2.067 غرام على السنتيمتر المكعب
• الحالة الفيزيائية بدرجة حرارة الغرفة: صلبة
• نقطة الانصهار: 239.38 درجة فهرنهايت (115.21 درجة مئوية)
• نقطة الغليان: 832.28 درجة فهرنهايت (444.6 درجة مئوية)
• عدد النظائر (ذرات لنفس العنصر ولكن بعددٍ مختلفٍ من النيوترونات): 23
• النظائر الأكثر شيوعًا: S-32 (متوفر في الطبيعة بنسبة 94.99 بالمئة)، S-33 (متوفر في الطبيعة بنسبة 0.75 بالمئة)، S-34 (متوفر في الطبيعة بنسبة 4.25 بالمئة)، S-36 (متوفر في الطبيعة بنسبة 0.01 بالمئة).
عنصرٌ ذو أبعادٍ إنجيلية
«على الماكرين سيُمطر الجمر الناري والكبريت المُشتعل; الرياح الحارقة ستكون مصيرهم». مزمور 11:6
قلّةٌ من العناصر لها مكانةٌ رفيعةٌ كفاية لتُذكر في الإنجيل، فما بالك بذكره 15 مرة.
لكن، كثيرًا ما يوجد الكبريت في عناصر من الطبيعة غالبًا كمعدنٍ أصفر كريه الرائحة في الينابيع الحارة والبراكين، ربما يشرح هذا الشيء لماذا يربطه كُتّاب الإنجيل مع نار الجحيم والغضب.
لم يُعزل عنصر الكبريت حتى عام 1809، وفقًا لـ (الجمعية الملكية للكيمياء -Royale Society of Chemistry)، عندما شكّل الكيميائيون الفرنسيون لويس-جوزيف، وغاي-لوساك، ولويس-جاك ثينارد عينةً نقية.
كان غاي- لوساك معروفًا ببحثه عن الغازات، وقد تضمّن بحثه الطيران بمناطيد مليئة بالهيدروجين على ارتفاع أكثر من 7000 متر فوق سطح البحر، وفقًا لـ (مؤسسة الإرث الكيميائي -Chemical Heritage Foundation).
يُصدر الكبريت عند احتراقه لهيبًا أزرق وغاز ثنائي أكسيد الكبريت، ويُعدُّ من الملوثات الشائعة، وفقًا لوكالة حماية البيئة.
يأتي ثنائي أكسيد الكبريت الموجود في الغلاف الجوي عمومًا من الوقود الأحفوري لمحطات توليد الطاقة وهو أحد أسباب الأساسية للأمطار الحامضية، يسبّب هذا الغاز أيضًا مشاكل رئوية.
تنظّم وكالة الحماية البيئية (EPA) انبعاثات ثنائي أكسيد الكبريت بالإضافة إلى خمسة غازاتٍ أخرى تُدعى «الملوثات المعيارية»، والتي تتضمّن الرصاص وأحادي أكسيد الكربون.
من كان يعلم؟
• يُشكّل الكبريت ما يقارب 3% من كتلة الأرض وفقًا لموقع كيمي كول، وهي كميةٌ كافيةٌ من الكبريت لخلق قمرين إضافيين.
• استُخدم الكبريت (كثنائي أكسيد الكبريت) للحفاظ على النبيذ لآلاف السنين، وما زال من مكونات النبيذ حتى يومنا هذا، وفقًا لـ (مجلة الكروم والنبيذ التطبيقية -Practical Winery & Vineyard Journal).
• ليس واضحًا من أين أتى اسم Sulfur، ربّما كان مُشتقًا من (صُفرة – sufra)، أو أصفر بالعربية. أو السنسكريتية (shulbari)، والتي تعني عدوّ النحاس. الاحتمال الثاني مثيرٌ للاهتمام وفقًا لموقع كيمي كول؛ لأنَّ الكبريت يتفاعل بقوةٍ مع النحاس، فهل علم القدماء بهذه الخاصيّة للكبريت وأسموه وفقًا لها؟
• استُخدم ثنائي أكسيد الكبريت لتعقيم المنازل منذ قديم الزمان، وهي عادةٌ استمرت خلال القرن التاسع عشر.
وصف كبير مفتشي الصحة في مقالٍ عام 1889 في مدينة نيويورك كيف حرق الموظفون الكبريت والكحول في المنازل الموبوءة بالجدري، والحمى القرمزية، والخنّاق (الديفتيريا)، والحصبة.
• الكبريت راحةٌ تامة!
قد تكون للينابيع الحارّة المليئة بمكونات الكبريت المُذابة رائحةٌ مُريبة، ولكنها لطالما كانت ثمينة لمزاياها الطبية المُفترضة.
ظهرت مدينة الينابيع الكبريتية الحارة كولورادو على سبيل المثال عام 1860، بعدما اكتشفها المستوطنون البيض والتي كانت قبائل الـ (أيوت) الهندية تنقع نفسها بها لمئات السنين.
• يمكن أن يسبّب الكبريت أذىً في حطام السفن، وجدت دراسةٌ عام 2008 على سفينة حربية سويدية غرقت عام 1628 أكثر من 2 طن من الكبريت مُشبّعةً أخشاب السفينة المُنتشلة.
• اعذر نفسك! فالسبب الأساسي للرائحة النتنة لغاز الأمعاء هو أن الأمعاء الغليظة مليئة بالبكتيريا التي تُطلق مركبات الكبريت كنفايات.
البحث الحالي
اليوم، يُعدّ الكبريت مُنتَجًا ثانويًا في عمليات تكرير الوقود العضوي إلى مصادر طاقةٍ قابلةٍ للاستخدام مثل البنزين. هذا التكرير جيدٌ لمنع مركبات الكبريت من التوجّه نحو السماء عند احتراق الوقود مسببةً الأمطار الحامضية، ولكنه يؤدي إلى تلالٍ من عنصر الكبريت المتراكمة في مصافي التكرير.
يقول جيف بيان، متخصصٌ في الكيمياء الحيوية من جامعة أريزونا: «حوالي 90% من هذا الكبريت الفلزّي المُتراكم يُستخدم لصنع حمض الكبريت، وبما أننا نحصل على ملايين براميل النفط يوميًا، تتراكم نسبةٌ قليلةٌ من الكبريت بسرعةٍ في البرميل الواحد». مع نحو 100 مليون طن من الكبريت المُبدد المُنتج في السنة، تعطي العشرة بالمئة غير المُستخدمة في إنتاج حمض الكبريت 10 مليون طن بالسنة وهي كميةٌ لا يُستهان بها.
ماذا نفعل مع هذه الفوضى الصفراء؟
يعتقد بيان وزملاؤه أنهم يملكون الإجابة، فقد وجدوا طريقةً لتحويل مخلّفات الكبريت إلى بلاستيك، والذي يمكن استخدامه بالمقابل في أجهزة التصوير الحراري وبطاريات الليثيوم-الكبريت.
قال بيان لموقع Live science: «لقد كان تحديًا هائلًا، وكنا أول الناس المجانين الذين تعاملوا بشكلٍ جديّ حيال الموضوع».
من الصعب التعامل مع الكبريت؛ لأنه لا يذوب مع المواد الكيميائية الأخرى بسهولة، هذه كانت أول خيبة أملٍ واجهها بيان وفريقه من الباحثين من كوريا، وألمانيا، والولايات المتحدة.
قال بيان: «لم يُرد أن يتحلل، حصلنا فقط على مواد صفراء في كل مكان، في كل أنحاء المُختبر».
قرّر الباحثون في نهاية محاولاتهم إذابة هذه المواد فقط، وتبيّن أنَّ الكبريت يتحول إلى بوليمر (سلسلة طويلة من الجزيئات المترابطة والأساس المكوّن للبلاستيك) بشكلٍ تلقائي عند تسخينه فوق 320 درجة فهرنهايت (160 درجة مئوية)، هذا التفاعل كان معروفًا لأكثر من قرنٍ من الزمن.
لكن البوليمر يتفكك تقريبًا بالسهولة التي يتشكّل بها، ما يجعله عديم الفائدة للتطبيق العملي.
قال بيان: «ولكن، أعطت حالة البوليمر هذه الباحثين فرصة إضافة شيءٍ يمكن أن يتفاعل معه لتثبيت البلاستيك».
لحسن حظّ الفريق، تبيّن أنَّ أول المواد الكيميائية التي قاموا بتجريبها هو (13-ديسوبروبيل بينزين (1 3-diisopropylbenzene, يُطلق للسهولة عليه اسم DIB.
يعمل DIB بطريقةٍ جيدة؛ لأن لديه مجموعات نشطة يمكن أن تتفاعل مع الكبريت عندما يكون في طور التحول الى بوليمر، قال بيان إنه كان قابلًا للذوبان بالكامل في الكبريت السائل.
كانت النتيجة -كما أفاد الباحثون في عدد شهر نيسان في مجلة الكيمياء الطبيعية- بلاستيكًا أحمر لا تشبه رائحته حتى البيض المتغفن، إذ إنَّ الكبريت المُتبلمر لا يتطاير وبذلك لا تفوح منه رائحة نتنة مثل الكبريت المتطاير الذي يمكن أن نجده في الينابيع الحارة.
والأفضل من ذلك، هذه العملية بسيطة جدًا، حتى إنَّ بيان وزملاؤه يطلقون عليها اسم «كيمياء رجل الكهف» (للدلالة على بساطتها).
البساطة والكلفة القليلة تجعلها خيارًا جذابًا للصناعة، قال بيان إنَّ عدة شركاتٍ مهتمة بأخذ عملية بلمرة الكبريت لأغراض تجارية قد تواصلت مع الفريق، ما قد يكون خبرًا جيدًا للبيئة.
يوجد في مكامن الغاز والنفط التقليدية من 1 إلى 5 بالمئة كبريت، والأكثر من ذلك، يسخّر التنقيب عن الغاز والنفط المكامن غير التقليدية المليئة بالأشياء الأكثر سوءًا، فالنفط المُستخرج من الرمال القطرانية في مدينة ألبيرتا – كندا 20 بالمئة منه كبريت.
قال بيان: «تُنتج بعض الحقول الجديدة في الشرق الأوسط نفطًا يحوي 40 بالمئة كبريت، إننا فقط سنُنتج المزيد من الكبريت، إننا نشير إلى الكبريت على أنه (مخلفات وسائط النقل) لأنه مُنتج ثانوي لتكرير النفط». مع بعض الحظ، يمكن أن تحوّل عملية بيان وزملائه هذه المخلفات إلى شيء مفيد.
المبيدات الكبريتية
يُستخدم الكبريت الفلزي كمبيد شائع الاستخدام
أُقِّر استخدامُه على كلا المحاصيل التقليدية والعضوية للمساعدة على السيطرة على الفطريات والآفات الأخرى.
في ولاية كاليفورنيا لوحدها، استُخدم أكثر من 21 مليون كيلوغرام من الكبريت الفلزي في الزراعة عام 2013، وفقًا لأخبار بيركلي Berkeley News.
بالرغم من أن وكالة حماية البيئة قد صنفت الكبريت الفلزي على أنه آمنٌ بشكلٍ عام، أظهرت الدراسات أن هذا النوع من المبيدات يسبّب تهيّجًا تنفسيًّا عند المزارعين.
اليوم، مضت دراسةٌ جديدة من قبل الباحثين في جامعة كاليفورنيا – بيركلي، إلى أبعد من ذلك وألقت النظر على الصحة التنفسية للسكان الذين يعيشون بالقرب من الحقول المُعالَجة بالكبريت، وتحديدًا مئات الأطفال الذين يعيشون في المجتمع الزراعي في وادي ساليناس – كاليفورنيا.
نُشرت اكتشافاتهم في عدد شهر آب من عام 2017 في مجلة (آفاق الصحة البيئية -Environmental Health Perspectives).
وجد الباحثون أنَّ الأطفال الذين يعيشون ضمن نطاق نصف ميل من الحقول التي استُخدم فيها الكبريت الفلزي مؤخرًا قد حدّت من وظائف الرئة، وأعطت مستوياتٍ أعلى من الربو والأعراض المرتبطة به، وسبّبت استخدام أدوية أكثر مقارنةً مع الأطفال غير المعرّضين للكبريت الفلزيّ.
وقد اكتشفوا -على وجه الخصوص- أنه عند ازدياد استخدام الكبريت لعشرة أضعافٍ ضمن نطاق 1 كم من مكان إقامة الأطفال خلال السنة التي سبقت التقييمات التنفسية ازداد خطر استخدام أدوية الربو لـ 3.5 أضعاف، وتضاعف خطر الإصابة بالأعراض التنفسية؛ مثل اللهاث وضيق التنفس، وفقًا لأخبار بيركلي.
يطالب مؤلفو الدراسة ببحثٍ أكبر بشكلٍ عاجل للتأكيد على صحة هذه الاكتشافات، على أمل أن يقود ذلك إلى تغيير أنظمة وتطبيقات هذه الأساليب وبالتالي يحدّ من الأذى الذي يتعرض له الجهاز التنفسي للسكان المجاورين.
وفقًا للباحثين، إحدى الأفكار هي الانتقال إلى مساحيق «قابلة للبلل» (نوعٌ من المبيدات).